فضيلة معيرش اسم قروي صداه يصدح من بوابة صحراء الحضنة ،
حيث كان الصدى قويا ،فجاءت لفحات القصائد معتـقة بالألم واللوعة
والاغتراب ...اغتراب الذات والأمـــــــــل .
ولعل الحياة وبعض من ضوئها الخافت البعيد بعث للنفس بصيصا
من توق الأمل والنجاة والتحدى على صخرة الانكسارات والتمزقات
المتجددة بالعتمة والألم والاحتراق ...في رقعة جميلة هي الحضنة
وفي بلد ملهم اسمه الجزائر...
فضيلة معيرش كتبت فجاءت كتابتها محرقة ،
مؤلمة لأن الكاتب الحقيقي يكتب بحرقة الأكباد
والأنفاس وبصدق الوجدان ووعى العقل ...
كانت كتابتها مستصرخة ومفهومة وخجولة ذلك أننا
مازلنا لم نكسر بعد جدار الانطلاق للكتابة
بعمق ووضوح واستراحة .
لان هناك بعض الطابوهات لايمكن تجاوزها
حتى لايعتبر الكاتب في نظر القارئ خارجا عن القانون ،
لذلك فكل الكتابات النسائية لاتخرج عن نطاق ضيق وممل - أحيانا -
مع أن هناك مواضيع هامة ، يجب طرحها ومعالجتها
وإلا كيف يكون الشاعر أو الشاعرة معبرا عن أفكاره ؟
وكيف يمكن له إيصال رسالة أو فكرة كتجربة تأخذ منها العبرة ،
إن كانت صالحة ولاتهمنا إذا كانت غير ذلك .
"لفحات الهجير" توقيع أنثى سارت في كل اتجاهات الريح
ولم تكف عن السير من هذا الحاضر المغيب ، ونحو ذاك
المستقبل المجهول ؟ تمارس طفولتها وسط دوائر لعبة الحياة ،
حيث الأيادي الأخطبوطية تمتد أذرعها في كل المسارات بعشوائية
وهمجية وتطفل ، وفي كل الأزمنة والأمكنة حتى زمن طارق بن زياد
الذي سألها عن مأوى الطيبين وعن أرض الرسالات البعيد وعن اشراق
الصبح وكيف تولد الأعياد؟ من أضلع الشجن ،ويوقد النور من
أجنحة الفراشات ،ولكن المدائن تظل حزينة طالما تصر على البقاء ،
وجهها مغطى بجذوع النخيل؟...وطالما غبار الشوارع يوسخ كراساتها
وطالما مازال دمع المساء يدثر عصافير القلب بالخوف والوحدة والشتات...
وطالما مازالت قصائد الشتاء تسكن مدينتها وسيزيف شقاء وسندباد السفر
يعبران الشط الآخر ......
ورغم ذلك تصر فضيلة معيرش على البقاء ووجهها للريح كأنه التحدى
بين الرقة والقوة وبين الزهرة والسيف وبين الوجع والصخر أو هو
تحد آخر ولدته الفرضية والواقعية.
وجاء الزمن في قصائدها شاعرية عذبة واضحة مؤلمة ومفهومة فالعالم
كله يريد السماع ومع ذالك فهو لايسمع؟
لغة جميلة وحالمة هي لغة فضيلة معيرش وما كانت ستكون كذلك لولا
أن الحزن هو الذي صنع حرارة كتابة احتراقاتها .وحتى تؤطر لكتابتها
ماهو أجود وأحسن وأفضل وشكلها والمضمون ليظل للكتاب الصديق
الحميم الذي نحاكي فيه الأوراق والحبر ، في زمن رديء تغيرت فيه
المفاهيم واسودت فيه القلوب .؟
بقلم / الناقدة أمال بوعكاز
